سُنَّة التدافع

أن يدفع الله سيطرة بعض الأمم المتجبرة الظالمة، بقوة أمة أخرى تغلبها وتزيل حكمها أو تضعفه.
قال تعالى: {ولولا دفاع الله الناس بعضهم ببعض لفسدت الأرض ولكن الله ذو فضل على العالمين}(البقرة:251)
وقوله تعالى في سورة الحج:
{ولولا دفاع الله الناس بعضهم ببعض لهُدِمت صوامعُ وبيعٌ وصلواتٌ ومساجدُ يُذْكَرُ فيها اسمُ الله كثيرا ولينصرَنّ اللهُ مَن ينصرُه إن اللهَ لقويٌ عزيز. الذين إن مكناهم في الأرض أقاموا الصلاة وآتَوُا الزكاة وأمروا بالمعروف ونهَوا عن المنكر ولله عاقبة الأمور}

وهي تشمل أنواعاً بحسب الطرفين المتدافعين، فمنها:
- التدافع بين المسلمين والكفار كما يحصل في الجهاد.
 - التدافع بين مسلمين كما هو الحال في قتال أهل العدل ضد الفئة الباغية التي ذكرها الله سبحانه بقوله: {وإن طائفتان من المؤمنين اقتتلوا فأصلحوا بينهما فإن بغت إحداهما على الأخرى فقاتلوا التي تبغي حتى تفيء إلى أمر الله..}(الحجرات: 9)
- وقد تكون بين قوى كافرة كما حصل قديماً بين الفرس والروم، وذكر الله ذلك في كتابه بقوله: {غُلِبَتِ الروم وهم من بعد غَلَبِهم سيَغْلِبون في بضع سنين}(الروم: 2-3)، وكما حصل في الحربين الكونيتين (العالميتين) في العصر الحديث.
وقد قضى الله تعالى منذ أن خلق الإنس والجن أن ينقسم الناس إلى فريقين: كفار ومؤمنين، فقال تعالى: {هو الذي خلقكم فمنكم كافر ومنكم مؤمن (التغابن:2)
وقال تعالى: {وَلَوْ شَاءَ اللَّهُ مَا اقْتَتَلَ الَّذِينَ مِن بَعْدِهِم مِّن بَعْدِ مَا جَاءَتْهُمُ الْبَيِّنَاتُ وَلَٰكِنِ اخْتَلَفُوا فَمِنْهُم مَّنْ آمَنَ وَمِنْهُم مَّن كَفَرَ ۚ وَلَوْ شَاءَ اللَّهُ مَا اقْتَتَلُوا وَلَٰكِنَّ اللَّهَ يَفْعَلُ مَا يُرِيدُ}(البقرة: 253)
فهذا الاصطفاف يدفع غالباً إلى اشتعال الحرب بين الطرفين. 
وأياً كان فإن الحروب عموماً أمرٌ لا تخلو منه الأرض في أي عصر من عصور التاريخ، إذ هي مرتبطة في كثير من صورها بنزعةٍ موجودةٍ في النفوس تقوى أحياناً وتضعف أخرى، وهي نزعة حب التملك والسيطرة. وقد تكون في صور أخرى دفاعاً عن حق أو نصرة لمظلوم.
قال ابن خلدون في أول الفصل السابع والثلاثين من مقدمته: "اعلم أن الحروب وأنواع المقاتَلة لم تزل واقعة في الخليقة منذ برَأها الله...وهو أمر طبيعي في البشر لا تخلو عنه أمة ولا جيل"

فالله عز وجل يوجه عباده المؤمنين - وفقاً لسنة التدافع التي سنَّها - إلى أن يكونوا عاملين فاعلين فيها بأن يدفعوا العدوان والطغيان حتى لا تفسد الأرض.
والله تعالى قادر على إهلاك المعتدين وإزالة شرهم كله من الأرض، ولكنه تعالى يريد أن يبتلي المؤمنين بالكفار والكفار بالمؤمنين، فيتميز المؤمن الطائع الصابر المجاهد عن المنافق
الجبان المتردد.
قال تعالى: {ذلك ولو يشاء الله لانتصر منهم، ولكن ليبلو بعضكم ببعض، والذين قاتلوا في سبيل الله فلن يضل أعمالهم. سيهديهم ويصلح بالهم. ويدخلهم الجنة عرفها لهم}(محمد: 4-6)
قال صاحب تفسير المنار: "فالذين يقاتلون في سبيل الله يطلبون شيئاً ثابتاً صالحاً تقتضيه طبيعة العمران فسنن الوجود مؤيدة لهم، والذين يقاتلون في سبيل الشيطان يطلبون الانتقام والاستعلاء في الأرض بغير حق، وتسخير الناس لشهواتهم ولذاتهم وهي أمور تأباها فطرة البشر السليمة، وسنن العمران القويمة، فلا قوة ولا بقاء لها، إلا بتركها وشأنها وإرخاء العِنان لأهلها، وإنما بقاء الباطل في نومة الحق عنه"...
"...ولكن صار بعض الأمم التي لا تدين بالقرآن أقرب إلى أحكامه في ذلك ممن يدَّعون اتِّباعه، وإنما الغلبة والعزة لمن يكون أقرب إلى هداية القرآن بالفعل، على من يكون أبعد عنها وإن انتسب إليها بالقول..