اغتيال الوعي

يحمل بعض اللصوص كمية من المعلومات في خلايا دماغه حتى يسمى "عالماً" تجاوزاً، ولكنه ليس بعالم على الحقيقة، لأنه لم يطلب العلم ابتغاء مرضاة الله، وإنما طلبه ليقبّل الناس يده ويوسّعون له في صدور المجالس، وليصطاد به حظوة لدى الملوك والأمراء، ومن هنا تبدأ صفقة بيع الحق المحض في مقابل الحق المَشُوب بالباطل والعمل
على ترويجه، ولكن تَحُول دون رغبات هذا اللص عقبات وتمنعه عوائق، منها:
أولاً: علماء وفوا بالميثاق الذي أخذه الله على أولي العلم أن يبينوه للناس ولا يكتموه، فيجند هذا اللص المتجلبب بجلباب العلم كل ما في وسعه: المعارف التي حشا بها دماغه كذخيرة احتياطية مع ادعاء الصلاح والولاية أحياناً، وغالباً لا يكفيه ذلك فيستعين بولاة نعمته ويحمسهم بتخويفهم من دعاة الحق "الإرهابيين" الذين إن تركهم السلطان فلا بقاء
لعرشه، ولا استقرار لحكمه، وبذلك يخلع الملك على هذا اللص خلعة من سطوة الأموال والأنفس والأبواق والأدوات لحرب الخصم المشترك.
ثانياٌ: وعي فطري لدى بعض آحاد الناس أو مجاميعهم، أودعه الله عقولهم وقلوبهم أو أوصله الله إليهم عن طريق أولي بقية ينيرون للناس الدروب، ويبددون عنهم ظلمات الجهل ;منة منه وفضلاً، يفهمون بموجبه سعة هذا الدين وشموله للمساحات التي يعبث بها الملوك ومن سار في ركابهم من لصوص المعرفة، فيصطدم الفريقان ويتصارع العسكران، وما النصر إلا من عند الله.
ولهذا ترى عسكر الباطل - المتمثل في تحالف اللصوص مع الملوك - يبذل كل ما بوسعه ليحسر هيمنة الحق وحراسه عن تلك المساحات، ليخلو له الجو فيعبث كمايحلو له، ويعيد رسم خارطته الحدودية والحقوقية كما يشاء.
ومن هنا نسمع ;رفعَ الصوت بالنكير على "تسييس الدين" والدعوةَ إلى حبس الإفتاء داخل جدران التعبدات والأعياد الدينية وربما الأحوال الشخصية على مضض، أما باقي الميادين الفسيحة فهي لقيصر وعصابته يفعل فيها ما يشاء.
أما العقبة الثانية أمام اللصوص فتراهم يسعون إلى اغتيال الوعي، وقتل الفهم، ووأد اليقظة.
إذ إن بقاء مساحات فارغة من خارطة ميادين الشريعة الإسلامية هو بمثابة ناقوس خلل وعلامة انحراف وتقهقر، ولهذا عمد هؤلاء اللصوص إلى ملء أذهان شباب الإسلام بقضايا جزئية وهي وإن كانت من دين الله إلا أنهم نفخوا فيها وضخموها لتتمدد في ذلك الفراغ الذي أحدثوه، تعميةً وتمويهاً وصرفاً للأنظار عن مهمات القضايا. فلا تعجب حينئذ إن وجدت شاباً يمر صباح مساء على مصارف الربا التي هي بمثابة معسكرات لحرب الله ورسوله، أو يسمع خبر مشاركة دولة من دول الملوك والأمراء تقصف مع الكفار بلدا مسلما فتسفك الدماء المعصومة وتدمر البنى التحتية وتقتل العقول وتهَجّر الخبرات، يرى ذلك كله فلا يتمعر له وجه ولا يعرق له جبين، لكنه على استعداد لخوض معركة يمارس فيها الافتراء والبهتان أو حتى الخطف والقتل إذا صلي التراويحُ عشرين ركعة بدل ثماني ركعات، أو قنت الإمام في صلاة الفجر، أو أخرجت زكاة الفطر نقداً
أرأيتم ماذا يصنع تزييف الوعي واغتياله؟
لا بد لكل من مر بتلك المرحلة وتجاوزها أن يتأكد من تحرير كامل المساحة العقلية والوجدانية من استعمار تزييف الوعي أو اغتياله، لأنه قد يكون التحرر جزئياً وتبقى جيوب من فلول ذلك الاحتلال الفكري، تظهر آثارها السيئة بين الفينة والأخرى.
#اغتيال_الوعي